كعادته في كل صباحٍ أقام العمّ محمود كُشكه الخشبيّ في البازار. وبدأ ينتظر الزّبائن للتسوّق والشراء منه.
كان العمّ محمود يستيقظ دوماً عند شروق الشّمس ويحضُر إلى السّوق باكراً. كان يحرص بترتيب وتنظيم الفواكهوالخضروات على منضدته الخشبي، فكان ذلك يلفت أنظار الإعجاب من الزّبائن المارّين وأصدقاؤه المجاورين له. بصرف النظر عن قيام عمله بشكل جيد، كانت أهم ميزة للعمّ محمود عن غيره أنه يتّسم دوماً بوجه بشوشٍ ومتفائل.ولأنه قنوع الطبع، يجعل من الأمر هذا نفس راضية ومتقبّلة ومسرورة في عيشها دون أن تشتكي من وضعها.
فعندما تأتي أيّام البرد القارس والممطر. تنخفض تنزّع البضائع ومعها تنخفض اعداد الزّبائن. كان موقفه كما هو لا يتغير. حيث يعدُّ كشكه بعناية كما لو أنّ الزّبون سيأتي في أي وقت.
وفي مثل هذه الأوضاع كان يحفّز جميع من حوله في السّوق ويقول:
" جهودكم لن تضيع أبداً أيها الأصدقاء، استمرّوا في المحاولة ولا تستسلموا " "الحركة فيها البركة". ويكمل بقوله الشهير: " الصبر مفتاح الفرج".
كان بجوار العمّ محمود جاره العمّ عثمان. حيث كان ذا شخصية مختلفةٌ تماماً عن العمّ محمود. فعند ما يكون الجومشمساً، كان يشكو من شدة الحرارة. وعندما يبرد هذه المرة يشكو من البرودة. كان ذات ملامح عبوس ومكتئب. و لاأحد يتعدّاه في الانتقاد. كان ينظر لكل شيء بمنظار سلبيّ وتشاؤم. وطالما أنه غير راضٍ عن أي شيء، اينما ذهبكان جميع ألوان السلبيّات يرافقه .
ففي مرّة من الأيام، كان الجوَ ممطرٌ، وتجمّعت مياه الأمطار فوق المظلّلة المُثبّتة على المنضدة الخشبي للعمّ عثمان. حينها كبر حجم المياه واشتدّت حمل المظلة ومن ثم انسكبت كل المياه القذرة على بضاعته. فأصبحت جميع المناشفوالمفروشات المعروضة للبيع متّسخة وغير صالحة للاستعمال.
رغم كل السلبيات التي يواجهه العمّ عثمان في حياته، لم يحاول أبداً من تحسين وتطوير نفسه. كان معتاداً بتلفيقمنطقاً مناسباً للأمور التي كان يعاني منها باستمرار، وكان دائماً يقذف اللّوم على الآخرين.
فعندما يرى تجمّع الزبائن حول منضدة جاره المقابل الذي يبيع مثل بضاعته يُتمتم شفتيه ويقول: "طبعاً! سيشترونمنه، لأن كشكه على الجانب المسلوك والمزدحمة بالمارّين. "
إذن! هل تريد شيئا أفضل؟ ها هي الإجابة ...
كان العمّ محمود يتصرف على عكس سلوك وتصرفات العمّ عثمان تماماً. في الحقيقة، العمّ محمود عرف حلّ لغزالحياة. فكان مقابل كل خدمة يقدّم له يشكر. وعندما يكون بمفرده يثني ويحمد ربّه. كان يعلم أنّ كلما استمرّ على الشّكر، كلما زادت الأشياء التي يجب أن تكون ممتناً لها.
من السّهل جداّ التّشكي أمام كل أمرٍ يحدث ضدّ رغبات الإنسان. لكن العمّ محمود كان يعلمُ تماماً أنّه حينيشتكي المرء يتأزّم الأمر ويصعب حلّ مشكلته. بل ويتكررالأزمة ويتعقّد في كل شكوى . لهذا السبب كان يفضّل أنيكون شاكراً بدلاً من أن يكون شاكياً.
ففي كل صباح وعند نهوضه من السرير، اعتاد أن يجعل سؤاله " لأجل ماذا أشكر اليوم؟ " مستهّل تفكيره ممّ أدىالبحث عن أسباب الشكر والحمد في حياته. وعند المضيّ قدماً على هذا المبدأ في كل مرة يسهّل أموره دونإشكال. كان يعلم العمّ محمود أنه كلما شكر الشخص الذي قدّم له الخير، فالمقابل يزداد طلب النّاس لفعل الخير لهأيضاً. " من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ".
لا بد على المرء أن يعلم جيداً ما لا يريده، وليس ما يريده...
في خلال أوقات العمل في البازار، اعتاد العمّ محمود شرب الشاي من الصبيّ الذي ينادي بالشّاي بين كُشكاتالبازار . وكان يسعد الصبي بقوله: " كاسة الشّاي من ايديك ما مثله. يسلموا يا ولد ". ومن أجل سماع هذه الجملالمادحة منه، في كل مرة يمرّ الصبيّ من أمام المنضدة الخشبي الذي يقف عليه العمّ محمود يسأله: "عمّ محمود،هل أحضر لك الشّاي؟"
الكلمات الطيّبة التي تخرج من شفتيه كانت محفّزة و مثيرة لمن حوله من النّاس.
شخصية العمّ محمود كان مغايراً تماماً عن باقي النّاس. ففي الطّقس المشمس، كان يطوي أكمام قميصه إلىمرفقيه ، ويفكّ أزراره ، ثمّ يستلقي على الكرسي ليتشمّس إلى أن يأتيَ الزّبون قائلاً: " انظر إلى روعة الشمس،منعشُ جداً ". ويلتفت إلى أصدقائه بجواره ويكمل: " كما تعلم يا صاحبي، يوجد في أشعة الشمس فيتامين (د)،وأنّه مهم للغاية لكي تحمينا من الأمراض ".
سعادة العمّ محمود ببزوغِ الشّمس وتأقلمه مع الجوّ كان يدهش أصدقاؤه من حوله . وهكذا في كل مرة، كان يعيش جوّه وينظر إلى الحياة بنظرة إجابية.
سرّ السعادة الحقيقيّة
السعادة الحقيقية هي أن تكون مُمتنّ وأنت ليس لديك ما يمتلكه معظم الناس...
اتّكأ العمّ محمود ظهره على المقعد، وتذكّر الأيام الماضية التي كان يحمل القُفّة ويدور بها في السّوق لنقل الخضاروالفواكه، وتنهّد قائلاً: " حقاً كانت أيّامٌ صعبة ". لكن من حسن الحظ كان حوله أُناسٌ طيّبون يقتدي بهم. وكانيسمع لإرشادهم ونصحهم دون أيّ شكوى أو تعقيد الأمور. كان يستمرّ في عمله الشّاق دون أن يفكّر بتركه أو تغيره. أمّا الآن فهو متزوج ولديه ثلاثة أبناء يعيلهم و يقوم بتعليمهم.
كلّما زاد امتناننا ، زادت من حولنا أمورُ نشكرها. وكلّما كثُر الشكوى، زادت الأمور التي نشكو منها.
وفي تلك الأيام كان معه زميلٌ يتدرّب في نفس المجال. ولكن لم يريقه العمل. وكان يشتكي ويتأفّف باستمرار. كانينتقل من عمل لآخر، ويغير مجاله. وكان هو الآخر متزوجاً، ولكن بعد مرور عامين انفصل عن زوجته أيضاً.
حقاً موضوع الزواج مسؤولية كبيرة. ومع هذا يفتخر الرجل بالقيام على إعالة أسرته. أمّا مافي الأمر أهمية هو أنيقبل المرء ما تقدّم له الحياة والتكيّف معه دون أي معارضة. عمّ محمود تعلّم هذا الأمر من قبل عندما كان يعمل حامل القُفّة.
" كم تزن التفّاحة؟" سؤال الزّبونة ابعد العمّ محمود عن الأحلام التي انغمس فيها.
"أختي، تزن التفاحة بـ 75 "
"كيف يمكن أن يكون بـ 75؟ لقد بالغت كثيراً. ما هذا؟ كيف يمكن لأحد أن يستطيع الشراء براتبه التقاعدي؟ يكفي كلّ هذا. لا يمكننا تحمل الأكثر. أصبح هذا البلد غير صالح للمعيشة “
"أختي، دعي وشأنك من كل هذا، تفائلي ولا تقلقي. الأمور لن تتحسن طالما نشكو. دعونا نعمل ونتحد، ولا نبذّر مابين أيدينا، و ندعم التعليم و نربّي الأجيال تربية حسنة، وبعد كل ذلك سيكون الأمور جيدة إن شاء الله. "
لم تتمكن الزبونة من الردّ بعد سماع الكلام الجميل التي تلقّتها ضدّ تشكّيها، وغادرت المنضدة بشراء عدد منالتّفاحات متمنيةً للعمّ محمود عملاً جيداً.
بعدها تنهّد العمّ محمود وهو يسقي برذاذ الماء الخضار والفواكه المرصوصة على منضدته. وعندما رفع رأسه نظرإلى الأعلى وكان قد اقترب منه رجل يرتدي معطفاً أنيقة للغاية .
"هل أنت بائع البازار محمود؟"
"نعم أخي ، أنا الوحيد الذي اسمه محمود في هذا البازار"
" حسناً! حضرتُ من فندق سّتار. قبل أيّام قدّمتَ لنا بضاعة وكانت النتيجة تماماً كما قلت جيدة جداً، ولقد نلترضى الشركة. لهذا السبب نريد شراء كل ما لديك، هل ستبيعه؟"
"على رأسي، بالطبع. سأحضر الطرود إلى سيارتك."
في ذلك اليوم القارس، باع العمّ محمود جميع ما كان مرصوص على منضدته الخشبيّ. وكان ممتنّاً وشاكراً مرةآخرى لأنه تمكن من العودة إلى المنزل قبل حلول الظّلام وقضاء بعض الوقت مع عائلته وتناول العشاء الدافئ معهم.
ظلّ العمّ عثمان ينظر من خلف العمّ محمود وهو يهفُّ بفمه على يديه المتجمدتين ويتمتم كعادته بلوم الجميعباستثناء نفسه ويقول : " أكيد هو يبيع واحنا ما نبيع. زماناتوا همّ اعتنوا به لمن كان صغير، ونحنا مالنا حداطبعاً"، أوووفّ.
تعليم التصميم التجريبي DTÖ تقول " الشكوى تسلب دوماً من بين يدي الإنسان معرفة إيجاد الحلول. أمّاالامتنان يختلق الأمور التي يجعل الإنسان دوماً شاكرة لها.
نتمنّى أن نحظى بكثير من الأيام الممتنّة...
دراسة التّصميم التجريبي DTÖ : هو علم واقعيّ يتيحُ للمرء بتصميم و تخطيط يومه و مستقبله بإعادة النّظر لتجارب الماضي. و يقوم بتوضّيح العوائق وايجاد الحلّ المناسب و السّليم وذلك بتقديم الخُطط و الإستراتيجيات. ولأن سرّ السّعادة والنّجاح يُكمِنُ في تحقيق الأهداف، يُقدِّم دراسة التّصميم التجريبي DTÖ سلسلةٌ من البرامج التّعليمية والتثقيفّة، منها برنامج فنّ معرفة الإنسان، وبرنامج الاستراتيجيات في مهارات العلاقات، وبرنامج النّجاح النّفسي ليساعد الوصول إلى تحقيق اهداف الإنسان وغاياته.
28 Yorumlar
:)
YanıtlaSilEmeğinize sağlık 🍉🪷
YanıtlaSilفالشكر نعمة عظيمة.
YanıtlaSilGerçek şu ki şükür şükrü, şikayet şikayeti doğuruyor 🤍🎈
YanıtlaSilİnsan ne istemediğini iyi bilmeli... Gerçekten neyi istemediğini bilenlerden olma duası ile 🤲🏻🌸
YanıtlaSilElinize sağlık🌺
YanıtlaSil👏🏻👏🏻🌿🌸
YanıtlaSilصحة يديك
YanıtlaSilshkran🌷
YanıtlaSilŞikayet etme şükür et💕
YanıtlaSilكما قال عمر بن عبد العزيز: "قيدوا نعم الله بشكر الله". وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لرجل من همذان: "إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد"
YanıtlaSilاللهم اجعلنا من الشاكرين الراضين. مقال رائع سلمت يداك
YanıtlaSilŞükrümüzü ve teşekkürümüzü artırıp şikayetimizi azaltalım inşallah
YanıtlaSilÇaba ve şükür ne güzel anlatılmış. İnsan ne ekerse onu biçer 🌻
YanıtlaSil"فمن رضي فله الرضى"
YanıtlaSilAminnn❣️❣️
YanıtlaSil🌿💚
YanıtlaSilشكرا لك، انها لطيفة جدا
YanıtlaSil👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻
YanıtlaSilÇok güzel bir yazı olmuş, ellerinize sağlık 🌸🌸
YanıtlaSilŞükretmeye şükürler olsun:)
YanıtlaSilŞükreden insan sürekli hazzı olan insandır. Ellerinize sağlık. Çok güzel bir yazı.
YanıtlaSilشكرا لك، انها لطيفة جدا
YanıtlaSilİnsanların çoğunda olan şey sende yoksa ve buna rağmen şükrediyorsan, işte o gerçek mutluluktur.
YanıtlaSilŞükürler olsun 🌸
YanıtlaSilAmin🤲🏻
YanıtlaSilفالشكر يزيد النعم
YanıtlaSilEmeklerinize sağlık
YanıtlaSil